كيف تكسب صداقاتك؟
في الصف الأول حينما كُنت أعرف أن المكان الوحيد المألوف في العالم هو البيت، كان الخارج بالنسبة لي مُخيفًا إلى حدٍ يثير الرهبة والخيال في عقلي، كانت مشاهد الحروب في التلفاز في عام ٢٠٠٣ تشعرني أن الجنود يتقاتلون على عتبة الباب الخارجي للبيت، وأن سائق الحافلة إذا لم يسِر في الطريق الذي حفظتُ معالمه في عقلي فبالتأكيد هو يختطفنا جميعًا، وأن المشيَ في الخارج ليلاً محفوفٌ بمخاطر كبيرة حيث يعيش الأشرار في الخارج وتتجول الوحوش لتلتهم كل من تسول له نفسه في التعدي على عالمها ليلاً.
وجدتُ نفسي أندفع لأتعرف على أحد أثق به في المدرسة التي لا يوجد فيها وجه واحد أعرفه، بلادٌ جديدة وفكرة المدرسة في رأسي لم تنضج بعد، في الحقيقة لم أعرف ما معنى المدرسة أو السبت والأحد إلا عندما أصبحتُ في التاسعة من عُمري، كانت أُسرتي تعتقد أنني أخاف الذهاب للمدرسة وأشعر بالخوف المُبالغ فيه من المعلمات اللواتي يدرسننا بصرامة، نحنُ نخاف من الأشياء التي نجهلها حتمًا، حين يكون الغد مجدولاً على نهاية غير معروفة ونظام لم أستوعبه بداخلي بعد، لذلك بقيت خائفة ومتوجسة طوال الوقت.
في الصف الأول في الفصل الدراسي الأول، سألتنا المعلمة من يود قراءة السؤال، لم أرفع يدي لأنني لم أُجد القراءة بعد، بل إنني لم أكُن أفهم لماذا نجتمع جميعًا في مكان كبير يدعى مدرسة ويحتوي على عدد هائل من الغرف؟ لماذا لدينا الكثير من الكُتب؟ ولماذا أحمل هذه الحقيبة الثقيلة على ظهري كل يوم بينما الخارج يبدو مٌغريًا للمرح والركض. الشمس تبدو كما لو أنها نجمة بعيدة أود ملاحقتها طوال النّهار؟، أنا والكثير من الفتيات لم نرفع أيادينا يومها، لم أتم دراستي في الروضة ولا حتى ما يُدعى بالتمهيدي لانتقالنا في تلك الفترة إلى بلدٍ آخر، وكانت الفتيات من كل الجنسيات العربية في ذلك المكان المُريب الذي يدعى مدرسة. ذهب أكثر من نصف الفصل إلى غرفة الإدارة يومها في عقاب جماعي لعدم رفعنا أيادينا للقراءة، وبينما كان الجميع قلقًا من العقاب، كُنتُ قلقة إلى أين نحنُ ذاهبات؟ أود الإمساك بيد أحد أءلفه تحت وطئة الخِطاب ذو الصوت العالي الذي لم أفهم مغزاه، ذهبنا جميعًا إلى منازلنا ونحنُ نحمل ورقة صغيرة بينما باتت حقائبنا في المدرسة عقابًا لنا، كانت الفتيات خائفات من العقاب، كنت قلقة على أشيائي المدسوسة في الحقيبة، أنا حقًا قلقة على حقيبتي فهي تبيت وحيدة دوني في المدرسة المظلمة وتبدو هي من حاز أشد عقاب!
منذ لحظة خروجي من غرفة الصف وحتى مروري بالإدارة مع زميلاتي ووصولاً إلى البيت تمسكت بيد تهاني، الفتاة الوحيدة التي عرفتُ وجهها لأني ألتقي بها في الحافلة وغرفة الصف، وجاء اليوم التالي محملاً بالصياح والنواح والرفض التام أني لن أعود لذلك المكان المدعو بالمدرسة. عُدت مع أبي بعد الكثير من الحِيّل والوعود. بعدها بأسابيع تمرنتُ أكثر على القراءة والكتابة، وحصلت على شهادة تفوق بعدها بأشهر، ولكن الأهم من هذا كُله حصلتُ على تهاني، الصديقة التي رافقتني حتى الصف الثالث وجلسنا بالقرب من بعضنا في الصف والحافلة، وهكذا عرفت أن أصدقاء الطريق هم أصدقائي. ذهبت إلى مدرسة أخرى في الصف الرابع ثم مدرسة أخرى في الصف الخامس وحتى الثانوية العامة وفي كل مرحلة كان هناك أصدقاء مختلفون واحدة أو اثنتين أو ثلاث ولكن ليس أكثر من ذلك، لا أعلم ما الذي يجعلني أخجل من التواصل معهم بعد تلك المرحلة، ولم أتعلم كيف أحتفظ بصداقتي إلى ما بعد ذلك.
ما الصداقة الحقيقية هل هي أن نضحك معًا و نشعر باليأس معًا؟ أو نغتاب المعلمة والدكتور خارج غرفة الفصل؟ ونقدم مشروعًا مشتركًا معًا؟ هل يجب على الأصدقاء أن يشعروا بالقلق حيالنا ويتصلوا بنا ليل نهار؟ أم أن ليسَ لذلك داعٍ؟ هل القلق والعتاب يرتبطن بالصداقة؟ أم أنني اعتدت ألا أقلق فلا يتم القلق عليّ؟ لماذا يجب أن نطالب الآخرين بذلك إذا كُنا لسنا كذلك؟
إلى أي حد يجب أن نشارك الآخرين آلامنا وأسئلتنا الكبرى في الحياة؟ هل الصداقة تعني أن نتحدث ونضحك ونخرج معًا طوال الوقت؟