هل شعرت بالسأم؛ مما يتكرر أمامك من محتوى اليوم؟ 

حيث تبدو الأصالة بعيدة المنال في عالم اليوم الذي تحكمه الخوارزميات والترندات، ويتكرر المحتوى أمام عينيك، ويلاحقك كما لو أنه رسالة، بينما هو أمر! 

أثار هذا الموضوع غضبي العام الماضي، حين بدأت ألاحظ تكرار المحتوى في أكثر من منصة، ثم بدأت أتأثر بكثير من الاتجاهات الرائجة. تسائلت بعد أخذ عدة قرارات باندفاع، هل أنا مهتمة بهذا الاتجاه أم أنه مجرد اتجاه جديد؟ كالصحة النفسية، العزلة، السفر، البدء مجددًا في مدينة جديدة، ثم التخييم في قمم البراري والجبال، أو بدء عملي الحُر للتخلص من الوظيفة الدائمة، ثم الاستثمار السلبي، لكنني جيدة بالفعل فيما أفعل الآن ولا بأس بأن أستمر كما أنا. هجمت عليّ هذه الأفكار بجنون، لم أستطع تحديد ما الذي أريده حقًا؟ وما الذي أحبه وأتقنه؟، حتى أني شعرت بالغباء أحيانًا وبالضعف والكسل في أحيان أخرى. 

صورة

رحلة استعادة أصالتي الشخصية:

رحلة البحث في عالم اليوم عما يشبهك قد تكون رحلة تتسم بالمشتتات التي تظهر نفسها على أنها شغف ورغبات ونجاح، وروح مطلوبة، يشعرك الكثيرين في عالم الانترنت أنك متأخر باستمرار وأن هناك شيئًا يفوتك، وأنك ربما غافل عن مهارات كثيرة تحتاجها في عالم اليوم،  فلم يعُد هناك فرق عما ترغب فيه ويلائمك وما يبدو من بعيد فكرة جيدة فحسب لشخص آخر لست أنت، لكن إن كنت لا تشعر بالرضى عما تقوم به سيجذب انتباهك باستمرار الكثير من الدعوات الخارجية، أنا أيضَا شعرت بذلك، ومع ذلك العملية ليست سهلة لتكون أصيلاً في رحلتك الشخصية، لكنها ممكنة. 

تذكرت أني أردتُ دومًا صنع شيء من القلب قبل أن تبدأ هذه الفوضى في عقلي، أغرتني المميزات التي تقدمها أعمال اليوم مثل الحرية، والسرعة، ولم تتوقف تساؤلاتي عن مدى احتمال عيش حياة أخرى غير التي أعيشها، هذه الحيرة لم تنكف عن كونها توقف مشاريعي في المنتصف!  ولم يكُن منقذي سوى إيقاف كل ما كُنت أعمله لأجله تمامًا، هل بالغت في ردة فعلي؟ قد يكون ذلك صحيح، ولكني لم أشعر بالندم، تخلصت من إنستغرام من هاتفي أنا التي تعمل في مجال التسويق!  لا أعلم كيف يجب تسمية تلك العملية في ظل كل الالتزامات ذاك الوقت، هل هي استراحة أم هرب؟ أم هي العملية الحديثة لتنظيف سموم مواقع التواصل الاجتماعي؟، بعد عام من استمرار هذه العملية أسميها رحلة استعادة أصالتي الشخصية. 

في هذه المرحلة تذكرت ببطء كم كانت لدي الكثير من الطموحات النابعة من حُب ورغبة حقيقية، راقبتُ كيف أعبر عن ذاتي مع الآخرين دون قوالب مواقع التواصل، وما الجملة التعريفية التي تتلو اسمي؟ بغض النظر عما عرفته في إنستغرام، ولنكدن وسيرتي الذاتية، راجعت سيرتي الذاتية مجددًا. كم صمدتُ كثيرًا أمام اندفاع العالم وتطور المنصات وصناعتها أنماط شخصيات ووظائف مقولبة التي تدفعنا بلا هوادة لنُصبح شيئاً ما قد لا نتعرف عليه بعد زمن. “سيَرنا الذاتية ظالمة” بالفِعل، إنها لا تقول كل شيء عنا!، كم كانت استراحة عظيمة، رحلة العودة إلى الذات. 

إليك استنتاجي بعد هذه الرحلة: 

  1. عملك في صناعة المحتوى لا يعني بالضرورة إدمانك على استخدام برامج التواصل:رغم أني أعمل ككاتبة محتوى ومختصة في التسويق للعلامات التجارية، اكتشفت أن هذه التطبيقات مجرد أدوات عمل، فهي ليست المصدر الأساسي للأفكار أو الإلهام أو التعلم أو القراءة، أو حتى الأخبار، والعمل!  هذه المنصات تصنع دوبامينها الخاص المكون من وهم الحاجة والضرورة إذ كُنت أجد عذر العمل ضرورةً لاستخدامها، ولكن استمر عملي دونها. 
  2.  ركز على مهاراتك أكثر وابحث عن الإلهام من مصادر أصيلة: فلماذا تشتت عقلك طالما كنت  قادر على توظيف طاقتك فيما تريد فعله بإتقان، كالكتابة. 
  3. انقطاعك الطويل عن منصات التواصل يمكنك من تحديد أهدافك الأصيلة أكثر: ويمنحك الوضوح لمعرفة ما تريده هذه الأدوات منك، وما تريده أنت، حيث تعطيك المنصات الرقمية شعور أن الهدف النهائي سهل لكنه في الحقيقة رحلة تتضمن الكثير من الخطوات والمهارات التي يجب العمل عليها، كما ستدرك الكثير عن نفسك، مثل قياس انعكاس تأثيرها على المستوى الشخصي والمادي والنفسي والروحي.
  4. ستعرف ما تظن أنك تريده ويتضح أنه هوى اللحظة: كثيرًا ما نجد أنفسنا منجرفين وراء رغبات وآراء لحظية، غير مدركين أنها ليست انعكاسًا حقيقيًا لأهدافنا وقيمنا.

جرب مراقبة الأشياء من بعيد:

معضلة اليوم هي أن يتحول عملنا في منصات التواصل، التي تُنتج باستمرار أنظمة عمل جديدة، أنماط إنتاج للمحتوى، وبيع للمحتوى، تنظير وقولبة للأشياء، كل هذه العمليات التي تتخللها اختلافات من شخص لآخر رائعة وتعمل كمسرعات أعمال، تصنع رجال أعمال، ومنتجي محتوى، ومدربين ومعلمين، وتوظف الكثيرين من منازلهم من حول العالم، إذ تعلم الجميع أسرار العمل في عالم اليوم، تنظم كل شيء بينما تنمّطه، لكن رحلة البحث فيها عما يشبهك قد تكون رحلة مضنية، فلم يعُد هناك فرق عما ترغب فيه ويلائمك وما يبدو من بعيد فكرة جيدة فحسب لشخص آخر لست أنت. 

الأصالة هي رحلة فردية تتطلب عزمًا وتخلي، لتعرف قيمك وأهدافك. 

لا بد أن تُرخي السمع لصوتك الداخلي بينما هناك حفلة طموحات في عقلك توقف قليلاً وربما كثيرًا إن أردت، خذ وقتك، أطل استراحتك، بإمكانك الذهاب في رحلة طويلة إن أمكنك، لأن صوت من حولك قد يصنع عنك صورة محدودة لروح أكثر اتساعًا في عقلك، ربما نسيتها، نسيت كم كانت هذه الروح شجاعة، واثقة، تعرف ما تريد. يمكنك بناء حياة أصيلة تعبر عنك بصدق في عالم اليوم المليء بالتكرار والتقليد. تذكر دائمًا “أن تكون نفسك هو أعظم هدية يمكنك أن تهديها للعالم”.