كيف تصنع الأحاديث البسيطة الفرق في حياتنا
هل تساءلت يومًا كيف يمكن لمحادثة عابرة أن تغير حياتك؟
كنت أتجنب الحوارات العارضة طوال حياتي لأسباب كثيرة، و احتجت إلى سنوات طويلة لأتدرب على طرق بدء حوار من لا شيء مع الغرباء ولولا إحساسي بأن على أحدٍ ما أن ينقذ صمت الموقف أحيانًا لما اندفعت أبدًا لتجربة الأمر، لأتعلم بمرور الوقت أهمية فعل بدء الحوار مع الغرباء، وكيف يُمكن لمحادثات سطحية أن تغير القصة وتؤثر في سير الأقدار، بل إن لبعضها فعل تأثير النجوم وحركة الأجرام!
تبدو هذه المهارة سهلة للبعض ولكنها تطلب الكثير من البراعة التي يقودها الفضول والرغبة في المعرفة، والإيمان بالفُرص، ليست هذه المهارة متاحة لأولئك الذين يحاولون المحافظة على دليل هاتف نظيف جدًا وغير مزعج، بل إنها للذين يرون القيمة حتى في الحوارات السطحية مع بائع الحلوى في الطريق، وصانع القهوة بقدر ما يرونها مهمة مع أصحاب المال والجاه.
حين عملت في غرب أمستردام في مقهى The Social Hup المخصص للشركات الشبابية والصاعدين من رجال الأعمال والعاملين المستقلين لم أمتلك الجرأة الحقيقية لبدء حوار ما. كنت أمر بمرحلة شديدة الاحتيار بشأن مسيرتي المهنية، وبينما كُنت أعمل على جهازي اللوحي لإنهاء بعض الأعمال كان صانع القهوة الوحيد دون مساعدين، يقفز خلف طاولة إعداد القهوة كما لو أنه راقص باليه، يدور ويدور يأخذ الصحون والأكواب وينظف المكان، ويلملم بقايا القهوة، ويستجيب لطابور طلبات القهوة في نفس الآن.
لا أذكر حقًا كيف بدأ الحوار معه بينما هو يكاد يطير فوق الطاولات! سألني عن وظيفتي حين رآني عالقة أمام جهازي اللوحي حتى اللحظات الأخيرة من إغلاق المكان، أجبته: التسويق، فبدت ملامح وجهه تقول هذا متعب! ولا داعي لأصف كيف يعبر الإيطاليين عن مشاعرهم بملامحهم وأياديهم دون تردد ثم قال بانجليزية مسقاه بلكنة إيطالية: أوه، كم أحب عملي! ، ثم استكمل عمله الذي ظننت بحُكمي القاصر أنها وظيفة جانبية بينما كان يمتلك المقهى ويديره، ذكرني حينها بتلك القاعدة التي تقول افعل ما شئت ولكن اتقنه واعمله بحُب، هذه الدقيقتين أجابتا على حيرتي في ذلك الوقت.
بحثت في الأمر، وفعلاً سجل التاريخ ما يُمكن لحوار عارض أن يصنعه، حيث نتجت أعظم الكتب السياسية التاريخية الفلسفية والأدبية حول العالم بعد حوارات بين غُرباء، بل إن هناك اختراعات صنعت عالم اليوم بعد لقاء عابر. حوارك مع الآخر فرصة يمكن أن تختصر سنوات من البحث والتجارب والافتراضات. مثالاً على ذلك:
1. التقى ابن رشد بالفيلسوف والطبيب ابن طفيل الذي كان وزيرًا في زمانه حتى تأثر ابن رشد بأفكار ابن طفيل الفلسفية، مما دفعه إلى تفسير أعمال أرسطو، مما أثر بعمق على الفكر الفلسفي في العالمين الإسلامي والغربي.
2. تحدث ابن خلدون مع القائد المغولي تيمورلنك خلال فترة سجنه في دمشق، هذه التجربة ساهمت في بلورة أفكار ابن خلدون حول التاريخ والدولة، وساهمت في تطعيم أعظم انتاجات ابن خلدون “كتاب المقدمة“.
3. التقى الشاعر الفلسطيني محمود درويش بالأديب غسان كنفاني. وقد تأثر محمود درويش بأفكار كنفاني حول المقاومة والثقافة والهوية الفلسطينية. أعمال كنفاني ألهمت درويش ليعبر عن قضايا الشعب الفلسطيني في شعره، مما جعله صوتًا بارزًا في الأدب المقاوم.
وغيرها من اللقاءات العظيمة مثل لقاء نجيب محفوظ وطه حسين، ولقاء ابن بطوطة وابن جزي، ولقاء ألبرت أينشتاين وماري كوري، ولقاء ستيف جوبز وستيف وزنياك.
يا تُرى، هل خضت حوارًا ولم تعد منه كما كنت في السابق؟ حوار ألهمك، ربما، أو صنع فصلًا جديدًا في حياتك؟” شاركني قصتك هُنا أو عبر أي منصة تُحب.
آمنت أن الحوارات الصغيرة تكشف أكثر بكثير مما قد تخبئه محادثات خُطّط لها بدقة، الأهم أن نكون مستعدين دومًا لخوض حوار صادق مهما كان عارضًا، تلك اللحظات التي لا تتجاوز الثواني قد تغير مجرى حياة البعض وتلهم آخرين لاتخاذ مسارات جديدة.